«جلجامش».. قاعدة إسمنتية عارية - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


«جلجامش».. قاعدة إسمنتية عارية
صابر البقعثاني – 22\09\2009
مضى على موضوع فكرة وضع عمل نحتي للفنان وائل طربية في بيت الشعب في بقعاثا ما يقارب الشهر. وقد يبدو للبعض أن الأوان قد فات للكتابة عن الإشكال الذي تداعى في القضية، إلا أنني لم أنجح في ابتلاع الحصوة.
بادر مركز فاتح المدرس للثقافة والفنون الشهر الماضي إلى خطوة جديرة وملفتة؛ تسعى إلى تبني الأعمال الفنية التي كانت قد أنجزت ضمن مهرجان النحت الأول وتوزيعها على قرى الجولان.
وقد وقع الاختيار من قبل المركز والمؤسسات الوطنية في بقعاثا على عمل "ملحمة جلجامش" للفنان وائل طربية ليوضع في الحديقة الجنوبية لبيت الشعب. بعد أن اكتمل التحضير في الموقع وجهزت القاعدة، فوجئنا بسحب مركز فاتح المدرس للمبادرة نتيجة رفض لجنة الوقف ومشايخ الدين في بقعاثا وضع العمل النحتي. وهكذا انتهى الموضوع بمجموعة تعقيبات على شبكة الإنترنت وقاعدة إسمنتية عارية في الحديقة الجنوبية لبيت الشعب. وكانت حجة الرافضين هي أن جلجامش "هذا" لا يمت لعاداتنا وتراثنا أو تاريخنا بأية صلة وأنه "لم يكن على خلق" الخ.. وهنا أود أن أسأل؛ هل ينفصل تاريخنا عن تاريخ الإنسانية والعالم؟ كيف بحضارتنا، إذن، لتصل إلى ما وصلت إليه، لولا أنها امتداد لحضارات قديمة. كيف كنا سنبدو إن اعتبرنا أننا لسنا جزءًا واستمرارًا لهذه الحضارات والشعوب؟ حضارة قصيرة العمر ليس لها ماضٍ، وأشبه بوردة اصطناعية. ففي الوقت الذي نتنصل "نحن" من هذا التاريخ الصانع على أنه "لا يمت لنا بصلة"، تتغنى بقية الشعوب بأعظم ملاحم التاريخ الإغريقية والفارسية وغيرها، و"جلجامش" واحدة منها.وبالمناسبة بجانب بقعاثا يقع "حرش كليب"حيث جرت هنا أحداث البسوس وتغلب وهذا مثال عيني على قرب التاريخ منا حتى جغرافيا.
نجد الأسئلة تتعاقب في صدد هذا النقاش؛ هل يعتبر وضع عمل نحتي قيم لملحمة جلجامش، نفذه أحد فناني الجولان التشكيليين، تقديسا لجلجامش؟ أم هو تقدير لتجربة رائدة في الجولان كتجربة مهرجان النحت الأول بخاصة أو تجربة مركز فاتح المدرس للثقافة والفنون بعامة؟ لا بل إن وضع عمل فني كهذا في بقعاثا هو عبارة عن فتح ثغرة في ظلام الأفق أمام أبنائنا في ظل الواقع الاجتماعي والسياسي القاتم الذي نعيشه.
من ناحية ثانية، أليس الموحدون الدروز هم أول من يؤمن بالتقمص، وبأن فلاسفة اليونان الذين أبدعوا وكرسوا الفنون للبشرية هم أصحاب منزلات كبيرة لدى رب العالمين، وبالتالي يفترض أن يكون أبناء هذة الطائفة أول من يقدر الفن بكل أشكاله ويحافظ عليه وعلى وجوده؟
حسنا، إذا لم يرد البعض تبني العمل نظرا لبعدة الثقافي وقيمته الفنية أريد أن أسأل ما هي الخطورة من وراء وضع تمثال جلجامش في القرية على غرار المناطق الحضارية في العالم؟ فأنا متأكد بأن جلجامش لن يقفز من المنحوتة ليعيث فسادًا في بقعاثا، كما لم نر يوما سلطان باشا الأطرش ورفاقه إبراهيم هنانو، يوسف العظمة، حسن الخراط وصالح العلي قد قفزوا من تمثال قاسيون ليقوموا بحماية حدود البلدة من جحافل الاحتلال. أو مثلا صالح العلي يدخل إلى أحد بيوت القرية ليطلب كأسا من "المتة". وعلى ذكر "المتة"؛ هل لهذا المشروب اليومي في قرانا علاقة بتراثنا وتاريخنا؟ أم أنه مشروب شعبي جاء إلينا من البرازيل والأرجنتين، ومن ثم قمنا بتبنيه حتى أصبح تقليدًا؟ وهناك أمثلة عدة من ممارساتنا اليومية، لها أصول بعيدة جدًا عن بلادنا وحضارتنا، وأترك لكل منكم فرصة التأمل فيها.